مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518) - الكوارث الطبيعية والتضامن الاجتماعي -

مواضيع مفضلة

أوقات الصلاة بمدينة البليدة

الاثنين، 8 نوفمبر 2021

مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518) - الكوارث الطبيعية والتضامن الاجتماعي -



المواضيع المماثلة:


مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518)

-  الكوارث الطبيعية والتضامن الاجتماعي -





     في منتصـف القـرن السـادس عشـر كـان يقطـن البليـدة حـوالي 500 سـاكن, وفي نهايـة القـرن الثـامن عشـر كـان يقطنهـا حـوالي 3000 شـخص, أمـا في أواخـر الفـترة العثمانيـة (1816-1825) فقـد قـدر عـددهم مـا بـين سـبعة آلاف, وعشـرة آلاف نسـمة. أمـا عشـية الاحـتلال الفرنسـي للجزائـر عـام 1830 فقـد كـان سـكانها يعدون مابين ستة آلاف وسبعة آلاف نسمة, بل قدرهم البعض بـ 10آلاف نسمة.
      وقـد تعرضـت مدينـة البليـدة والمنـاطق المجـاورة لهـا إلى عــدة كـوارث طبيعيـة أثـرت في عـدد السـكان فيهـا، فقــد شـهدت المدينـة طاعونـا عـام 1556م والـذي دام أربـع سـنوات، وهـو الـذي قتـل ثلاثـة باشـاوات في العاصـمة، إلى الــذي حــدث عــام 1561م والــذي طــال فتكــه بالنــاس، تــلاه آخــر عــام 1572م والــذي دام ثــلاث ســنوات، ثم طـاعون آخـر عـام 1620م والـذي سمـي "بالطـاعون الكبـير"، وآخـر دام مـن 1698م إلى 1700م، وقـد مـات بـه 24 ألـف بالعاصـمة والبليـدة ودواخـل متيجـة، و45 ألـف علـى مسـتوى الإيالـة. بعـده وفي 1747م جـاء طـاعون آخـر ليخـرب العاصـمة والبليــدة لمـدة عـامين، ثم طاعونـا 1724م و1749م، وآخــر عـام 1787م قتـل فيــه 17 ألـف بالعاصـمة، وامتـد إلى سـهول البليـدة، وطاعونـا 1792م، و1815م، وأخـيرا ذلـك الـذي دام مـن 1817م إلى 1823م الـذي أخلـى العاصـمة والبليـدة مـن السـكان، حيـث تـذكر بعـض المصـادر أن عـدد المـوتى قـد بلـغ 70 شخصا يوميا.

     وفي هـذا الشــأن يقــول حمــدان خو اجــة: "لقـد حضــرت في مــدة حيــاتي وهــي تنيـف عــن الســتين، وقــوع الوبــاء بـالجزائر متفرقـة علـى سـنين، وكـان مجمـوع مـدة تلـك المحنـة 20 سـنة فشـوهت خلقـة الجزائـر بعـد أن كانـت عـذراء مستحســنة، فــأقفرت معــالم الــبلاد، وتشوشــت أحــوال العبــاد، واضــمحل العلــم وذووا الاســتعداد، وانقــرض مــن العسـاكر مـا كـان عـدة في العمـران والفلـوات، ففشـى فيهـا يومئـذ الفسـاد واكتهـل، واتسـع الخـرق ولم يبـق للراقـع محل، فيالها من رزية تقشعر لها الجلود الحساسة، ويالها من خسارة، ومبدؤها إيراد ممرض على مصح.

    معظـم هـذه الطـواعين كانـت متبوعـة بغـزو للجـراد، لا سيمــا الـتي حـدثت أعـوام: 1556 ،1572 ،1698،م1815،1817 ،1787 ،1749 ،1724.

     كمــا تعرضــت المدينــة إلى هــزات أرضــية عديــدة، غــير أن أكثرهــا إفجاعــا تلــك الــتي حــدثت خــلال أعــوام: 1601م، و1716م، حيث دامت الهزات في هذه السنة من 3 فيفري إلى نهايـة جـوان بصـفة متقطعـة، وتـلا ذلـك هزات أرضية في سنوات 1760 ،1770 ،1802م على أن أعنفهـا وأشـدها هـدما وفتكـا كـان زلـزال 1825م، والـذي كـان متبوعـا بانفجـار وبـاء التيفـوس، فخـلال (22 (يومـا الـتي دامهـا في المدينـة، كانـت البليـدة قـد فقـدت صف سكانها.

    وقد امتـازت العـلاقة بـين المجموعـات السكانيـة المشـكلة للمجـتمع البلـيدي بـروح التسـامح، والتـآزر، والتـعاون، في إطــار مــا حــدده الشــرع الإســلامي الحنيــف، والقــوانين العثمــانية، فخـلال سنــوات القحــط والجفــاف وانتشــار للمجاعـــة، سـاهـــــم الوقــف مســاهمة بــارزة في التخفيــف مــن حــدة الجــوع والفقــر الــذي عــم المنطقــة، وذلــك اسـتغلال السـواقي والعيـون في ري المحاصـيل الزراعيـة، كـالحبوب والأشـجار المثمـرة، فمثـل هـذه الكـوارث الطبيعيـة والأزمات التي كانت تجتاح المجتمع الجزائري، سمحت لنا بالتعرف عـن جانـب أعمـال الخـير والـبر والتضـامن والتكافـل والتآزر، وذلك بواسطة توفير لقمة العيش لعامـة النـاس أثنـاء الشـدة، لتجـاوز أزمـة الجـوع والحرمـان والفقـر, فعلـى سبيل المثال أصبح صاع القمح يباع في مدينة البليدة خلال مجاعة 1794م بسعر سبعة دنـانير, وفي مثـل هـذه النكبـات يـبرز أصـحاب الـبر والإحسـان، الـذين بـذلوا جهـدهم في إعطـاء الصـدقات للضـعفاء، "فمـنهم مـن يطعـم الطعـام ويسـقي، ومـنهم مـن يحضـر الحبـوب بالرحبـة (السـوق) في صـورة البـائع، فيجتمـع عليـه النـاس، ويكتـال كـل واحـد نصـيبا، وحـين تنقضـي تلـك الحبـوب، ويحوزهـا المكتـالون لهـا، ينـادي رهبـا -أي مالكهـا- بلسـان فصـيح: يـا عبــاد االله كــل مــن أخــذ شــيئا فهــو لــه خالصــا لا آخــذ منــه ثمنــه، ويــذهب في حــال ســبيله، فيفــرح النــاس حينئــذ، ويشـكرون فعلـه، ثم ينصـرفون", كمـا أنـه وفي زمـن الطـاعون، كـان لإدارة بيـت المـال نشـاط يفـوق نشـاط جميـع الإدارات الأخرى، فهي التي تقوم بإحصاء الموتى، وتعمل على تجنـب الفوضـى الـتي قـد تتسـبب فيهـا كثـرة الوفيـات، كما أنها تتولى التركات المهملة، وتقوم بعمليات الميراث.

       كمـا أن الـروابط الروحيـة، والتقاليـد الإسـلامية، جعلـت سـكان البليـدة يخصصـون جـزءا مـن عائـدات عقـاراهتم المحبسـة للحـرمين الشـريفين (مكـة والمدينـة)، قصـد تقـديم خـدمات لهـاتين المؤسسـتين، كسـبا للشـعور الـديني، وتحسـينا للـروابط الدينيـة والاجتماعيـة خدمـة للــدين الإسـلامي، ومـن أجـل الإسـهام في خــدمات الحجـاج، مـن تـوفير المــاء والسكن والطواف، وما يحتاج إليه هؤلاء أثناء أداء واجبهم الديني.

لــذلك أصــبح الواقفــون بالبليــدة لا حصــر لهــم بجــنس أو طبقــة اجتماعيــة، فمــنهم الرجــال والنســاء، والعامــة والخاصة، إذ نجد عقودا للتحبيس تؤكد لنا ذلك، منها: "أن الحــاج مصــطفى بــن قــادري قــام بتحبــيس أســفل بــاب الزاويــة بالبليــدة علــى نفســه، ثم العقــب، ثم الحــرمين الشريفين, وهذا أوائل رجب 1210هـ/1795م. كما أن "الوليـة خـيرة بنـت أحمـد بـن عيسـى حبسـت بلادهـا بحوش التوت بالبليدة على نفسـها، ثم العقـب، ثم الحـرمين الشـريفين", وهـذا أو ائـل رجـب 1220هـ /1804م, هذا وقد ساهمت البليدة سنة 1240هـ/1824م بــ: 860 ریال بوجود في أوقاف وهدايا الحرمين الشريفين.

كمـا سـاهمت فئـات اجتماعيـة مختلفـة مـن سـكان البليـدة في تحبـيس جـزء مـن أملاكهـم علـى مسـاجد المدينـة، وذلك بتخصيص مبالغ مالية من عائدات الأوقـاف لخطبـاء وأئمـة وعمـال مسـاجد المدينـة، فضـلا عـن تـرميم بعـض المساجد وشراء السجاد لها, فقد ورد في بعض وثائق الوقف ما يلـي: "إن المكـرم الحـاج محمـد بـن القزانـة الحـوكي قـام بتحبـيس سـقف مـن الجنـة علـى نفسـه، ثم علـى العقـب، ثم علـى جـامع بـن سـعدون بالبليـدة", كمـا أن "آمنة بنت الجيلالي الشرشالي قامت بتحبيس الجنة التي على ملكها على نفسـها، ثم علـى العقـب، ثم علـى المسـجد الأعظـم بالبليـدة" وكـان هـذا أواخـر صـفر 1211هـ /1796م. كمـا "أن المكـرم الحـاج أحمـد بـن محمـد الحـاج قـام بتحبــيس دار داخــل البليــدة علــى نفســه، ثم علــى العقــب، ثم علــى المســجد الأعظــم بالبليــدة", وهــذا في رجب 1218هـ /1803م.

    كمـا أن أهـل الـبر والإحسـان مـن أهـالي البليـدة قـاموا بتخصـيص مسـاحات مـن أراضـيهم الزراعيـة، أو جـزءا مـن ماشـيتهم أو كميـات مـن محاصـيلهم الفلاحيـة السـنوية، علـى زوايـا المدينـة وزوايـا المنـاطق المجاورة لهـا لأجـل الإنفـاق عليها، وعلى المدرسين والطلبة بها.


المصدر: كتاب مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518).
ل أ. مراد قبال جامعة خميس مليانة – الجزائر -
البليدة ويب












إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف