الحياة الاجتماعية بمدينة البليدة خلال العهد العثماني

مواضيع مفضلة

أوقات الصلاة بمدينة البليدة

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

الحياة الاجتماعية بمدينة البليدة خلال العهد العثماني

مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518)

2/ الحياة الاجتماعية بمدينة البليدة خلال العهد العثماني 



     إن موقع البليدة الممتاز، ووفرة الميـاه فيهـا، وخصـوبة أراضـيها، واعتـدال مناخهـا، وتبعيتهـا للحكومـة المركزيـة الـتي تحميهـا مـن تعنـت البـاي وأعوانـه، كانـت كلهـا عوامـل جعلـت النـاس بمختلـف فئـاهتم يتـدفقون عليهـا مـن المنـاطق المجاورة، منـذ الأيـام الأولى للتأسـيس، وإلى غضـون السـنوات الأخـيرة مـن العهـد العثمـاني، وبـذالك زاد عـدد سـكانها زيادة كبيرة وسريعة ، رغم الكوارث التي كانت تتعرض لها بين فترة وأخرى.


أولا:الفئــات الاجتماعيــة: 


اتصــف الوضــع الاجتمــاعي بمدينــة البليــدة، بتمــايز الســكان حســب نمــط معيشــتهم، وأســلوب حيــاهتم، واخــتلاف مصــادر رزقهــم، وطبيعــة علاقــاهتم بالحكــام. وحســب "حمــدان خوجــة" فــإن ســكان البليدة يشبهون بعـض الشـيء سـكان متيجـة، إلا أنهـم أكثـر مـنهم حضـارة فقـد تـألفوا مـن أصـول مختلفـة، وهـم يتركبــون مــن الأندلســيين، والأتــراك، والكراغلــة، والعــرب، والميزابيــون، واليهــود، وبعــض الأفــراد مــن القبائــل المجاورة، مما سهل عملية تصنيفهم إلى خمسة مجموعات، حيث وجد أنه مماثلا إلى حد مـا للتركيـب الاجتمـاعي للمدينة في مدينة الجزائر– حاضرة البلاد  وهذه الفئات أو المجموعات السكانية تتمثل فيما يلي:

أ-فئــــــة الحضــــــر: 

   أو "البلديــــــة" تشــــــكل غالبيــــــة ســــــكان مدينــــــة البليــــــدة، تتــــــألف مــــــن الأندلســــــيين، والعرب وبعض الأفراد من القبـائل اجملـاورة للمـدينة, الراغبـين في التمـدن من أفـراد قبيـلـتي بـني صـالح وبني خليل البربرية, وكذا بعض أفراد قبيلة الثعالبة العر بية، التي استوطنت إقليم متيجة في عصور تاريخية سابقة.

    ويرجـع اعمـار البليـدة منـذ تأسيسـها، إلى أفـراد فرقـة أولاد سـلطان، وهـي فـرع مـن فـروع قبيلـة بـني خليـل, إضــافة إلى العناصــر الأندلســية الــتي اقطعهــا خــير الــدين بربروســة عــام 942هـــ/1535م أراضــي بتلــك الجهــة، فاسـتقرت هيـا تحـت زعامـة أحـد الأندلسـيين مـن ذوي الصـلاح والتقـوى، وهـو سـيدي أحمـد الكبـير، الـذي ارتـبط بالمصاهرة مع قبيلة أولاد سلطان المقيمة بـالقرب منهـا. فأصـبحت البليـدة مقـرا مفضـلا للعديـد مـن الأسـر الأندلسـية المورسكية المهاجرة في مطلع القرن السابع عشر، وهذا ما جعل أغلب سكانها مـن الأندلسـيين، والمورسـكيين. وحـتى بعد التحاق جماعات أخرى هبا أغلبها من الأتراك، والكراغلة، وبعض الأفـراد مـن قبائـل متيجـة والأطلـس البليـدي، إلا أن الأندلسيين ظلوا يشكلون نسبة كبيرة من سكانهاا، فهم لا يقلون عن نصف السكان.

    ويعرف الأندلسيين الـذين عمـروا مدينـة البليـدة بالمـدجنين، نسـبة إلى المـوطن الـذي هـاجروا منـه بالأنـدلس. هـذا وقـد اسـتطاع الأندلسـيون نشـر اللسـان العـربي الـدارج في المنـاطق الجبليـة القريبـة مـن البليـدة، حيـث أصـبح غالـب السكان يستعمل بجانب اللهجة البربرية المحلية العربية الدارجة، كما هو الحال في مناطق بني صالح.
  
    هـذا وقــد تميــز الحضــر بعــاداهتم وتقاليــدهم الخاصــة، وبوضـعهم الاجتمــاعي المميــز، ممــا جعلهــم يؤلفــون طبقــة اجتماعيــة ميســورة، و يشــتغل أفرادهــا في المهــن الصــناعية "الأعمــال التجاريــة"، ، ويتولــون وظــائف الســلك القضــائي والتعلـيم. كمـا اهتمـوا بتنميـة ثـرواهتم، واسـتغلال أملاكهـم، واسـتثمار مـزارعهم الواقعـة بـالقرب مـن المدينـة، هـذا مـا جعلهـم يؤلفـون "برجوازيـة المـدن الصـغيرة" الـتي ع و شـؤون ُرفـت بخضـوعها للبايلـك، وقلـة اهتمامهـا بـأمور السياسـة الحكــم، حيــث ظهــر في هــذه الطبقــة التجــار والصــناع، وأصــحاب الحــرف ومــلاك الأراضــي، والفقهــاء والعلمــاء والقضاة والمدرسين، وغيرهم.

ب- الأقلية التركية

      تتشكل من بعض مـوظفي الجهـاز الإداري والشـرعي بالمدينـة، كالحـاكم، والمفـتي الحنفـي، ومـن متقاعدي الجيش الإنكشاري الـذين سـكنوا المدينـة لقضـاء سـنوات الراحـة حيـث أن الأتـراك يبـدؤون جنـودا، فيعرضــون أنفســهم إلى جميــع المخــاطر قصــد الحصــول علــى الثــروة وعلــى المســؤوليات، وعنــدما يتقــدمون في الســن  يجنحون للراحة، ويتقاضون تعويضات تتناسب مع خدماهتم ، وكذا من بعض أفراد طائفة ريـاس البحـر، وبعـض  مـوظفي ديـوان الـداي، حيـث أن البليـدة أصـبحت مقـرا متميـزا لإقامـة هـؤلاء، الـذين امتلكـوا أفضـل المنـازل داخـل  المدينة وخارجها، المشيدة بين بساتين البرتقال المسيجة تسـمى "الأبـراج"، لقضـاء جـزء مـن السـنة بعيـدا عـن ضـجيج المدينة وحرارة الصيف.

  كما تتشكل الأقلية التركية من جنود "الإنكشاريــة"، الذين وزعتهم الحكومة المركزية على حامية المدينـة، و الـتي كانـت مبنيـة بقصـبة البليـدة، في الجنـوب الغـربي داخـل حـدود السـور  فبمجـرد مـا تعلـن مقاطعـة عـن خضـو عها للقوانين، كانت الحكومة التركية ترسل حامية تقي سـكانها مـن كـل هجـوم، ويقـود الحاميـة ضـابط برتبـة بولكباشـي، يساعده أوضاباشي، وباش يولداش، وتغير الحامية كل سنة.

   كمـا كانـت البليـدة المكـان الملائـم لنفـي المغضـوب علـيهم مـن طـرف حكـام الجزائـر، ومـنهم موظفـون سـامون في الإدارة التركيـة في الجزائـر، وفي مقــدمتهم بـاي وهــران "عثمـان بــن محمـد الملقــب بــ: الملقــش وآغـا العــرب  " يحيو"الحاج أحمد" قبل توليه بايليكية الشرق.

    وقـد ظلـت الطائفـة التركيـة بالمدينـة قليلـة العـدد، نظـرا إلى حالـة العزوبـة الـتي كـان يعيشـها أغلـب أفـراد الجـيش التركــي العامــل، وعــدم تبــني أبنــائهم "الكراغلــة "، واعتبــارهم عنصــرا هجينــا لا يرتقــي إلى مســتوى الأصــول التركيــة الخالصـة، وتفضـيل بعضـهم عمليـات الإجهـاض حـتى لا تـربطهم صـلات المصـاهرة، أو روابـط القربـة بالأسـر المحليـة، فضلا عن تعرض الكثير منهم إلى أمراض وأوبئة
 
   هـذا وقـد اكتفـى أغلـب أتـراك البليـدة بالعمـل في الجـيش، وممارسـة الوظـائف الإداريـة، أو الاشـتغال في دكـاكين الأقمشة، والحلي، والمواد الكمالية، أو استغلال أملاكهم بالمدينة، وبساتينهم في الفحوص.

   ونظـرا لقلـة أعـداد أفـراد الطائفـة، وانعزالهـا عـن بـاقي السـكان، فإنهـا لم تخـل بالتركيـب الإثنـوغرافي، ولم تـؤثر في البيئة الاجتماعية لسكان المدينة، ولا في طريقة الحياة، وأسلوب المعيشة.

   وقـد انتمـى أفـراد هـذه الأقليـة إلى المـذهب الحنفـي، وتزايـد أعـدادها في المدينـة دفعهـا إلى بنـاء مسـجد جـامع للصلاة سنة 1750م، يدعى المسجد الحنفي (أو المسجد التركي).

ج- جماعـة الكراغلـة: 

    تكونـت هـذه الجماعـة نتيجـة تـزاوج أفـراد الجـيش التركـي "الإنكشـارية" بنسـاء الـبلاد, وقـد كـان الكراغلـة في مدينـة البليـدة يشـكلون غالبيـة أفـراد حاميـة المدينـة، والـبعض الآخـر يقطـن داخـل المدينـة، أو في بساتينها بالفحوص.

   وليس لأبناء الأتراك الحق في شغل المناصـب السـامية في الدولـة، ومـع ذلـك يصـلون أحيانـا إلى مراكـز معتـبرة، إمـا عن طريـق نفـوذ أبـائهم، أو عـن طريـق أمـوالهم، حيـث يسـتطيع الكراغلـة أن يتولـوا منصـب "قائـد" في الإدارة، أو  منصب " الخوجة "، أو الإمام في المساجد بشرط أن يكونوا قد حفظوا القـرآن وتعلمـوا العربيـة، والتركيـة كمـا ينبغـي،  وهنــاك مــنهم مــن ينتســب في أيــام شــبابه إلى "الانكشــارية"، ويشــتغل بعضــهم في الأعمــال التجاريــة الصــغيرة وبعضهم الآخر بالمهن، واستثمار الملكيات الزراعية بفحوص المدينة.

   وقـد سـاعد الكراغلـة علـى أن يحتلـوا المرتبـة الثانيـة في السـلم الاجتمـاعي، لصـلتهم بـالأتراك، وعلاقـتهم الخاصـة بالأهالي، فأصبحوا يشكلون طبقة وسطى ميسورة الحال، إذ من النادر العثور على فقير بينهم وقـد كـان عـدد الأقليـة التركيـة وجماعـة الكراغلـة ضـئيلا عـام 1830م، حيـث قـدر بحـوالي 490 عنصـرا في كـل من مدينتي البليدة والقليعة.

هـ- الميزابيون :

   الـذين هـاجروا مـن مـواطنهم إلى مدينـة البليـدة للإقامـة والعمـل، وكـان أفـراد هـذه الفئـة يعيشـون مـن  دخـل مهـنهم، حيـث امتلكـوا بعـض الـدكاكين الصـغيرة داخـل المدينـة كمـا أنهـم احتكـروا أعمـال المشـرفين علـى الحمام، وشكلوا أغلبية الجزارين والرحويين.

ي- الطائفــة اليهوديــة

   تشــكل أحــد العناصــر البشــرية بالمدينــة، وهــي تعــود في أصــولها إلى اليهــود المحليــين الــذين اســتقروا في الفــترة الســابقة للإســلام، أو الــذين اعتنقــوا اليهوديــة مــن أهــالي الــبلاد، بالإضــافة إلى يهــود الأنــدلس "السـافرديم" الـذين قـدموا مـع مسـلمي الأنـدلس هروبـا مـن اضـطهاد النصـارى وأقـاموا في المـدن الجزائريـة، ومنهـا البليـدة، بعـدما وجـدوا فيهـا حكومـة قائمـة علـى أسـاس العـدل والإنصـاف حيـث اسـتقبلهم العثمـانيون بحماسـة وحفاوة، ولا سيما أنهم كانوا يرافقون المسلمين المهاجرين 

   وقد كان يهود البليـدة يشـتغلون بالأعمـال الماليـة والتجاريـة، مثلمـا يشـتغل بنـو جلـدهتم في كـل بقـاع الـدنيا حيــث امتلكــوا مجموعــة مــن المحــلات التجاريــة لبيــع مختلــف المــواد كالأقمشــة والحلــي. وقــد ضــبطت الحكومــة العثمانيـة غرامـة علـيهم لحمايـة أشخاصـهم، وضـمان معتقـداهتم، وهـي غرامـة تتناسـب مـع ثـرواهتم، وتتماشـى مـع قانون البلاد إذ التزموا بدفع ضريبة الرأس"الجزية"، التي يتولى مقـدمهم في المدينـة تقـديمها نيابـة عـن أفـراد جماعتـه  إلى شيخ البلد.

   كمـا كـان علـى يهـود البليـدة "ألا يحـدثوا ديـرا ولا بيعـة ولا صـومعة، وأن يـوقروا المسـلمين، ولا يتشـبهوا هبـم في  شيء من ملابسهم، ولا فرق شعورهم، ولا يركبـوا السـروج، ولا يتقلـدوا شـيئا مـن السـلاح ولا يحملـوه معهـم، وأن لا يسـكنوا المسـلمين بيـنهم كمـا كـان علـيهم أن يرتـدوا الألبسـة السـوداء، وذلـك كـي يتميـزوا هبـا عـن غـيرهم وقد كان لهم حي خاص داخل سور المدينة يـدعى زنقـة، أو حـارة، أو زقـاق اليهـود  والإقامـة في الحـارة اليهوديـة  لم تكـن إجباريـة أو عنصـرية، ولا يوجـد مـا يـدل علـى ذلـك، لكـن حـرص الحكـام علـى أمـن اليهـود وحمـايتهم مـن الاعتداءات والتجاوزات في أوقـات الأزمـات والاضـطرابات السياسـية- الاجتماعيـة هـو سـبب وجـود هـذه الحـارات.  أما الذين فضلوا الإقامة خارج هذه الأحياء اليهودية لم يمنعهم أحد مـن ذلـك، لكـن الأغلبيـة السـاحقة مـنهم بقيـت متمسكة بشدة وعناد بالبقاء في الحارة، منغلقة على نفسها، بعيـدا عـن الأعـين الفضـولية، وعـن مخـاطر إطـلاع الغـير عـن أسـرارها وحسـاباهتا، وحرصـا منهـا كـذلك علـى الإحتفـاظ بمظهـر الضـحية المسـكينة الـتي لا يمكـن أن تثـير سـوى الشفقة والعطف لضعفها، ولو أن بعض اليهود كانوا في الخفاء وراء الكثير من الفتن و الاضطرابات 
     
                     أما عن عددهم، فلم تمكني المصادر والمراجع التي اطلعت عليها من تحديد ذلك.



المصدر: كتاب مدينة البليدة خلال العهد العثماني (م1830 -1518).
ل أ. مراد قبال جامعة خميس مليانة – الجزائر -
البليدة ويب
BLIDA
 
 



 
   

إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف